روبي بادجو أسطورة يشترك في حبّها ملايين من عشاق كرة القدم في إيطاليا و خارج إيطاليا. ولد روبيرتو بادجو في 18 فيفري 1967 بمدينة كالدونيو التابعة لمقاطعة فيتشنزا. بدأ مسيرته الإحترافية بنادي فيتشنزا سنة 1982 في سنّ الخامسة عشر. سجّل المهاجم الصّغير 110 هدفا في 120 مباراة مع فريق فيتشنزا للشباب.
الإنتقال للفيولا و الإصابة
سنة 1985، إنضمّ بادجو للفيولا مقابل 1.5 مليون جنيه إسترليني. في الأسبوع الذي تلا الإتّفاق بين فيتشنزا و النادي البنفسجيّ على نقل النجم الصغير إلى فلورنسا، تعرّض بادجو لإصابة خطيرة في الأربطة المتقاطعة كادت تنهي مسيرته الكرويّة مبكّرا، غيّرت هذه الإصابة بادجو الصغير للأبد. صرّح بادجو عند حضوره مهرجان رياضة الثلاثين لسنة 2019 “في اليوم الموالي لخضوعي للعمليّة الأولى على ركبتي، طلبت من والدتي قتلي.” رغم الإصابة اللعينة التي تعرّض لها روبي، وفى نادي الفيولا بالتزامه بضمّه إلى صفوفه و احتضنه في فلورنسا أين حظي بدعم النادي و الجماهير اللامشروط الذي كان نقطة بداية قصّة العشق بين اللاعب و الفيولا و مدينة فلورنسا الجميلة. عاد اللاعب الظاهرة إلى الميادين و استأنف نشاطه، لكنّه لم يقدر على التّخلّص كلّيّا من آثار الإصابة و الآلام المزمنة التي خلّفتها. كان كلّ لقاء شارك فيه بادجو تحدّيا للألم يتطلّب مجهودا غير عاديّ يصعب تحمّله. سجّل بادجو هدفه الأوّل لفيورنتينا عامين بعد انضمامه للنادي. في موسميه الأوّلين في الفيولا، لم يشارك بادجو إلاّ في خمس مباريات. موسم 88 / 89 كان نقطة التحوّل الإيجابية الأولى في مسيرة بادجو اللاعب المحترف، سجّل روبي 15 هدفا في البطولة و ساهم في إنهاء فيورنتينا الموسم في المركز السابع المؤهّل لكأس الإتّحاد الأوروبي.
صعوبات مادية فتحت الباب أمام مغادرة فلورنسا
موسم 89 / 90 كان مليئا بالأحداث. واجه الفيولا شبح النزول بسبب نتائجه المتواضعة في البطولة لكنّه توفّق في الترشّح لنهائي كأس الإتّحاد الأوروبي الذي وضعه وجها لوجه مع غريمه اليوفي. كان اليوفي مهتمّا بضمّ بادجو و لم يكن هذا الإهتمام جديدا حيث حاول انتدابه من فيتشنزا سنة 1985 و دخل سباقا مع فيورنتينا للفوز بتوقيعه. فاز اليوفي بنهائي الكأس الأوروبّيّة على حساب فيورنتينا. بعد إياب نهائي كأس الإتّحاد الأوروبيّ الذي انتهى بالتعادل السلبيّ الذي منح الكأس ليوفنتوس بيومين، تلقى جمهور الفيولا صدمة كانت أشدّ وقعا على أنفسهم و قلوبهم من خسارة اللّقب الأوروبّيّ أمام فريق يعتبرونه عدوّهم و مواجهة الفيولا خطر النزول للدرجة الثانية في ذلك الموسم، صدم عشاق فيورنتينا بخبر توقيع بادجو للسيّدة العجوز في صفقة قياسيّة على المستوى العالميّ بلغت قيمتها ثمانية ملايين جنيه إسترلينيّ. على إثر تفريط ناديهم في نجمهم الأوّل و جوهرتهم الفريدة، قام مشجّعو الفيولا باحتجاجات عنيفة لا تزال عالقة قي أذهان معاصري تلك الفترة من عشاق الجلد المدوّر. تفريط رئيس الفيولا فلافيو بونتيلو في بادجو لليوفي تفسّره الضائقة الماليّة التي عاشها فيورنتينا بعد تهيئته لملعبه ليصبح مطابقا لشروط احتضان مباريات كأس العالم 1990. في تصريح أدلى به بادجو على هامش حضوره مهرجان رياضة الثلاثين، وضّح اللاعب أنه أراد البقاء في الفيولا و لم يرغب في الإلتحاق باليوفي و اتهم مسؤولي فيورنتينا في تلك الفترة بإجباره على الذهاب إلى يوفنتوس، صرّح بادجو “شعرت بالذنب رغم قناعتي الرّاسخة بعدم تحمّلي أيّة مسؤوليّة في مغادرتي لفيورنتينا.” شارك بادجو في مونديال 1990 كاحتياطيّ، لم يصبح نجما بعد في تلك الفترة لكنّه شدّ إليه الأنظار و سجّل الهدف الأجمل في الدّورة أمام تشيكوسلوفاكيا في الدور الأوّل و أهدى إيطاليا الترشّح في المركز الأوّل. زيارة بادجو الأولى لملعب أرتيميو فرانكي لاعبا لليوفي بتاريخ 6 أفريل 1991 ستبقى في الذاكرة للأبد. تحصّل بادجو على ضربة جزاء لليوفي في الدقيقة 51 عندما كان فيورنتينا متقدّما بهدف لصفر متحدّيا صافرات الإستهجان التي استهدفته منذ بداية اللقاء لكنّه رفض تنفيذها رغم تكفّله بتنفيذ ضربات الجزاء في فريق السيدة العجوز. نفّذ الرّكلة لويجي دي أغوستيني و أضاعها و خسر اليوفي المباراة في فلورنسا 1-0. إستبدل مدرّب اليوفي بادجو بأنجلو أليسيو 13 دقيقة بعد ضياع ركلة الجزاء. في طريقه إلى حجرات الملابس، إستهدف جمهور الفيولا بادجو بصافرات الإستهجان و رموه ببعض الأشياء، رماه أحد عشّاق فيورنتينا بوشاح الفيولا. حمله بادجو و حيّى جماهير فريقه السّابق فردّ جزء كبير من أحبّاء الفيولا تحيّة نجمهم بأحسن منها.
سنوات الإبداع في اليوفي
نجح صاحب ذيل الحصان السّحريّ في تقديم عروض رائعة مع اليوفي في الفترة الممتدّة بين 1990 و 1994. في موسمه الأوّل في نادي السيّدة العجوز، سجّل روبي 27 هدفا في 47 مباراة. في المواسم الثلاثة التالية، قدّم ابن كالدونيو مردودا رائعا و تجاوز عدد أهدافه العشرين في كلّ موسم. تعليقا على مردود بادجو في مباراة سجّل فيها أربعة أهداف في العشرين دقيقة الأولى لمباراة، قال زميل روبي في اليوفي دايفيد بلات “لا أذكر أنّي رأيت عرضا أفضل من أيّ لاعب في أيّ مباراة شاركت فيها. بادجو عبقريّ.” رغم مخلّفات إصابته المؤلمة التي أتعبته طيلة مسيرته، كان بادجو قادرا على حسم المباريات حتّى في أشدّ لحظات ضعفه و عدم جاهزيّته البدنيّة بفضل فنّيّاته. بادجو نفسه اعترف أنه لم يكن أبدا جاهزا بدنيّا لخوض أكثر من ثلاث أو أربع مباريات في الموسم، تصريحه يؤكّد حجم التضحيات التي قدّمها طوال فترة نشاطه. رغم روعة مردود بادجو في تلك الفترة و تجاوزه مدافعين عظماء أبرزهم باريزي و مالديني و فوزه بالكرة الذهبيّة سنة 1993، لم ينجح في قيادة اليوفي للفوز بالسكوديتو و لم يفز مع البيانكونيري بغير كأس الإتحاد الأوروبي سنة 1993 قبل مشاركته في كأس العالم 94. إذن، لم يكن روبي في مستوى انتظارات اليوفي في تلك الفترة رغم كل إبداعاته و تضحياته، فاليوفي جلب روبي ليساعده على الفوز بالسكوديتو في فترة إقتسم فيها ميلان و إنتر و نابولي و سامبدوريا الإنجازات المحليّة و القارّية.
مونديال 94، عزف منفرد ينتهي بكارثة
مشاركة روبي بادجو في كأس العالم 94 كانت مثاليّة إلى حدود لحظاتها الأخيرة. ترشحت إيطاليا للدور الثاني من المسابقة عن مجموعة ضعيفة. في دور الستّة عشر، كانت إيطاليا في طريقها للإنسحاب أمام نيجيريا عندما عدّل روبي النتيجة للإيطاليّين. في الوقت الإضافي، سجّل بادجو هدف النصر عن طريق ضربة جزاء. سجّل بادجو أيضا هدف الإنتصار على الإسبان في دور الثمانية و أهدى المنتخب الإيطالي ترشّحا صعبا أمام منتخب سيطر على أغلب ردهات اللّقاء. في مباراة نصف النهائي أمام بلغاريا، لمع نجم بادجو في نصف السّاعة الأوّل للمباراة و سجّل هدفين وضعا فريقه في وضع مريح قبل أن يتلقّى إصابة أثرت على مردوده و حضوره في النهائي أمام برازيل روماريو لاعب الدّورة. إحتكم المنتخبان البرازيلي و الإيطالي لضربات الجزاء لحسم وجهة اللقب و فازت البرازيل بكأس العالم بعد إضاعة بادجو لضربة جزاء تعدّ أقسى الذكريات التي يحتفظ بها من مسيرته الثريّة. مشاركة بادجو في نهائيات كأس العالم كانت مثاليّة، لكنّ نهايتها كانت كارثيّة.
جاء ليبي فذهب بادجو
بعد مونديال 94 المخيّب للآمال، إصطدم روبي بخيارات مدرّبه الجديد مارتشيلو ليبي الذي لم يعتبره قطعة أساسيّة في تركيبة اليوفي الجديد الذي عزم على بنائه. قبل مونديال 94، كان بادجو محطّة محوريّة في بناء لعب يوفي جيوفاني تراباتوني و لم يكن جانلوكا فيالي و باولو سوزا و و فابريزيو رافانيلي سوى مساعدين لبادجو رغم سعة إمكانيّاتهم الفنّيّة. ليبي أراد القطع مع يوفي بادجو و بناء يوفي جديد يستمدّ قوّته من اللعب الجماعي و تكامل الشابّ الواعد أليساندرو دل بييرو مع كلّ من فيالي و رافانيلي في خطّ الهجوم. قلّل خيار ليبي الفنّيّ من حضور روبي في التشكيلة الأساسيّة للسّيّدة العجوز في موسم 94 / 95. لم يشارك بادجو في ذلك الموسم إلاّ في عشرين مباراة كأساسيّ و لم يسجّل سوى ثمانية أهداف ساهم بها في فوز السّيّدة العجوز بالبطولة من جديد بعد انتظار دام عشر سنوات. لم تكن مساهمة المهاجم الموهوب في فوز اليوفي بالسكوديتو مساهمة رئيسيّة. لم يرغب اليوفي في تجديد عقد بادجو حيث عرض عليه عقدا جديدا خفّض فيه أجره إلى نصف ما كان يتقاضاه في ذلك الوقت. فرّط البيانكونيري في بادجو للميلان مقابل 6.8 مليون جنيه إسترليني في صيف 95 بدفع من فابيو كابيلو مدرّب الرّوسونيري في ذلك الوقت. مسيرة بادجو مع الميلان و المحطات الأخرى التي مرّ بها ستكون موضوع الجزء الثاني من المقال.